السبت، 27 نوفمبر 2010

الرسالة الثانية عشر


وبدأ الجميع فى الاستعداد للآحرام وكأن كلمة القبطان كانت بمثابة صفارة البدء ، وبدأ المعتمرين فى القيام بواجبات وسنن الإحرام من الغـُسل والتطهر وقص الاضافر ثم المجاهره بقول " لبيك اللهم عمره " ثم ترديد التلبية فى كل فعل وقد تملكت الأجساد رجفة اللحظة
وبدت الباخره بمعتمريها كسحابه بيضاء تـَجَـمّع فيها خير المطر الذى أصبحت الأرض فى شوق اليه
وأخرجت نهي زيها الذي إختارته للعمره ، وأصبحت تنظر له واستشعرت بانها لم تملك زيا ً أغلي منه فى عمرها
وتذكرت حديثها هي ووالدتها عن الاعتقاد الخاطيء عند بعض النساء بوجوب اختيار زى الاحرام بلون محدد .
وعن رغبتها هى بإختيار اللون الأبيض لما فيه من راحه تجعل القلوب تستشف منه نقاءه وصفاءه
حملت زيها وهى تردد التلبيه ، وقلبها ينتفض من جمال تلك اللحظه التي تداخلت بها كل ما عرفت من مشاعر
دموع وبكاء ، ضحكات وابتسامات ، شوق وحب ، خوف ورهبه
لحظة ربما لن يـُقـَدَر لها أن تحياها مره أخري
وبعد أن اغتسلت قالت بصوت خفيض لبيك اللهم عمره ثم تلت نيتها المعلنه ركعتين بنية سنة الوضوء
ولم يمر كثير من الوقت حتي أعلن ميناء جده عن إحتضانه لضيف جديد حمل علي ظهره سِرب من الملبين المتشحين بملابس الاحرام التي تعكس ضياء قلوب أزاد نورها حب الله والشوق للقاءه
وأصوات التلبيه تملأ أرجاء المكان ، وبدا كل فوج يتوجه الى الأتوبيس المخصص له للقيام برحلة جديده تحملهم الي أنوار الحرم المكي
وركب الحج كامل مع اسرته بعد أن ودع عمر علي امل اللقاء إما بالحرم وإما بالوطن ، متمنينا له كل خير ..
وركب الجميع .. والألسنه لا تتوقف عن التلبيه والصلاه على الرسول مما زاد الوجوه إشراقا وزاد القلوب شوقا

لحظة الوصول

  

مر الوقت هذه المره سريعا ً كانت تسابقه فى سرعته نبضات القلوب المشتاقة ، وأصوات التلبيه التي لم تنقطع طوال الطريق
ووصل الاتوبيس الي مقره الأخير بجوار فندق تفصلة بضع خطوات عن الحرم المكي
وحمل الجميع أغراضهم وتوجه كل ٌ الي غرفته ولكن لم تحتمل القلوب شوقها فبرغم مشقة الطريق الذى برغم انه لم يكن مزدحم كثيرا الا ان الرحله استغرقت أكثر من سبع ساعات وبرغم ذلك قرر الجميع التوجه مباشرة الى الحرم بعد الانتهاء من وضع اغراضهم بالغرف المخصصه
واصطحب الحاج كامل زوجته وابنته التي من فرط شوقها امتلكتها رجفة اللقاء فاستوقفها والدها لتذكيرها بأن لها دعوه مستجابه عند رؤيتها للكعبه لاول مره ، ثم احتضنها فى رفق وقال لها : ها هو حلمك الذي طالما حلمتي به يتحقق ، هانتى بين أرجاء الحرم ، على الأرض التي شـَرُفـَت بأشرف الخلق ، وهاأنتى على مقربه منه وستزوريه ، فافعلى كل ما حلمتي به
قال كلماته وهو الآخر يبكى من فرط شوقه الذى يزيد كل مره عن سابقتها
مذكرا ً نفسه واياها بجمال المكان ورهبة اللقاء وطـُهر الارض
ونهي تستمع لكلماته ولم تعد تمتلك الا دموعها الساخنه
وبدأ الجميع بالتحرك نحو الحرم والقلوب تتحرك معهم فتكاد الأرض تسمع دبيبها داخل الاجساد ، ولا تتوقف الألسنه عن التلبيه فى كل حركه وكأن التلبيه أصبحت النـَفـَس الذى يخرج ويدخل ليحافظ على وجود الحياه داخل اجسادهم
وعلى أحد أبواب الحرم ، رأت نهي ذلك النور الساطع الذي يخرج من أرض الحرم ، فزاد دبيب قلبها ، وارتعشت اطرافها ، وانسالت دموعها لترطب حرارة وجهها الذى ازداد حمره وبريقا ً وكأن نور الحرم إنعكس على وجهها فزاده ضياءا ً
وأخفضت بصرها حتي تصل إلي الحرم فترفعه وتراه للمره الاولي فى حياتها رأى العين وليس مجرد صوره من خلال التلفاز أو فى مواقع الانترنت
وبحثت بداخلها عن الدعوه التي ستلقيها فور رؤيتها الكعبه ، فهناك الكثير من الدعوات تريد أن تدعوها ، ولكن يجب أن تحدد أولى دعواتها
وتنازعت نفسها ما بين أمورها الشخصيه .. وما بين طلبات الدعاوى التي انهالت من الجميع عليها فور علمهم بسفرها .. وبين أن تدعو لوالديها بالصبر على فراقها ما أن أمر الله بلقاءه
وبينما هى غارقه فى تلك المنازعات ولسانها لا يتوقف عن ترديد التلبيه وكأنه أصبح يعمل دون اللجوء لاى إشارات تذكره بعمله .. حتى واجهت الحرم .. وأخيرا .. لحظة اللقاء التي طالما انتظرته
فرفعت بصرها لترى هذا البيت الذي التف حوله الالاف من جميع بقاع الأرض ، واذ بلسانها ينطلق بدعوه لم تحسب حسابها فى منازعتها وكانه تيسير الله لها فقالت : اللهم ان هؤلاء عبيدك شدوا رحالهم اليك من شتى بقاع الارض توحدت ألسنتهم بذكرك وقلوبهم بحبك وأجسادهم بالطواف حول بيتك .. ولكنهم خارج حدود حرمك مشتتين ومتفرقين ومنقسمين ..اللهم أصلح حال امه محمد حبيبك ، اللهم أجمع شتات هذه الامه وأرزقهم القوة لنصر دينك ، اللهم أعز الاسلام بنا كما أعززتنا به ، اللهم اننا أصبحنا ضعفاء وتكالبت علينا الامم ، فارزقنا القوه لنصر دينك واجمع المسلمين حول كتابك وسنة حبيبك ، اللهم ان أمتنا اصبحت فى شتات وتفرق ، فاجمع شملنا ، اللهم أمين
ثم تابعت المسير برفقة والديها فى اتجاه الحرم وقد حافظت على ترطيب لسانها مابين ترديد التلبية تارة والدعاء تاره أخرى ، حتى وصلت الى أرض الحرم واستقبال الحجر الأسود لبدء الطواف ثم بدأت تردد :
بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم
وبدأت طوافها وكان يفصلها عن ملامسه الحرم جموع الطائفين حوله ، ثم بدأت في الإقتراب منه أكثر فأكثر وكأن هناك شيء يفسح لها مجالا ً لتقترب وتقترب حتى أصبحت أنفاسها الساخنة مواجهه للجدار فإستشعرت قربها أكثر فاكثر من الله

***

وفى البدايه لم تستشعر وحدتها مع الله ، فكان بجوارها وحولها آلالاف الملبين ، وكلٌ يدعو بلغته ، ولم تعتاد من قبل أن تدعو الله وهناك من يسمع مناجاتها اليه، فشعرت بقليل من الارتباك ، وحتى تذيب ما شعرت به داخلها أصبحت تتأمل أحوال العباد ما بين ملبي ، وطالب حاجه ، وداعى ، وراجى رحمة وعفو الله
فوجدت أن هناك من لا يملك من الكلمات غير قليل الزاد ولكنه يعلم ان الله يعلم حاجته فتشبث بكلمه يارب وكأنه لم يتعلم من الكلام غيرها فصار يرددها حتى كادت الأرض تنطق بها تأمينا لدعائه ، وآخرلم يساعده لسانه بنطق الحروف بطريقه صحيحه لعدم امتلاكه اللغة العربية بمفرداتها فخرجت كلماته ثقيله غير مفهومه ولكن كانت عبراته تحكى ما عجز لسانه فى روايته ونثر فى الأرجاء شوق جاء بعد طول سنين ، وهناك من انطلق لسانه بفيض من الدعوات والدموع والرجاء فى الله سبحانه وتعالى
فحمدت الله ، فالكل جاء رغبة فى القرب ، الكل يدعو ، من يعلم ومن لا يعلم ، الجميع يردد ويطوف ، الجميع متوحدين هنا ،
وحمدت الله كثيرا ً على انها تحسن العربيه ، فكثيرين لا يعرفون كم هى نعمه عظيمه امتلكوها وأصبحوا يفرون منها بنطق الكثير من الكلمات الأجنبيه وكأنها هى اللغه الفائزة أو نوع جديد لإعطاء قيمة للشخص
وتذكرت تلك السيدة ذات الملامح الآسيويه والتي كانت تجلس بجوارها وهي تقرأ القرآن على الباخره ، وكيف طلبت منها أن تقرأ بصوت أعلى قليلا لكن تتمكن من سماعها فهى لا تجيد العربية ولكنها تحب أن تسمع القرآن وتذكرت دموعها التي أنارت وجهها حينما أخذت فى التلاوة لها، وفى النهايه أهدتها سيل من الدعوات وقالت لها أنها سوف تتعلم كيف تقرأ العربيه حتى تستطيع القراءة مثلها .
ثم حملتها أفكارها الى تفكير جديد وتساءلت ، ما الحكمه التي أرادها الله بتجمع كل هؤلاء حول البيت أهو اداء ركن مهم من أركان الإسلام وهو الحج ام أن هناك أيضا شىء عظيم يريد الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا نفطن له
ثم استشعرت ان الطائفين كجسد واحد ، جميعهم يطوف ويلبي بحركه واحده ، وكأنهم يتحركون سويا
وتذكرت حديث الرسول
" مثل المؤمنون فى توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى "وهنا استشعرت أن البيت الحرام كبيت كبير يجمع كل أبناءه حوله وان هؤلاء جميعا اخوتها ، وتذكرت بيت العيله الذى كان يصطحبهم والدها اليه هى واخوتها ليتجمعوا هو واخوته فى بيت العائله كما أطلقوا عليه ،والذى طالما حافظوا على وجوده ،وكم كان له قيمه عظيمه فى قلوبهم ، فهناك كان يتم مناقشه كل أخبار العائله وان كان أحدا منهم يمر بأزمه يفكروا سويا كيف يمكنهم مساعدته للخروج منها ، وليس فقط هذا وانما وأرادوا ان يغرسوا بنا جميعا نحن وأولاد أعمامى وعماتى اننا اذا ما حافظنا على تماسكنا ببعض سنظل أقوياء
وهنا إستشعرت نهى حنين جامح فاض منها لكل من حولها ، فهم إخوتها كما استشعرت فيجب أن نشعر ببعض وان نوحد صفوفنا ، وان نساعد اخوتنا
كم هو شعور جميل أضاف اليها مزيدا من النور والبريق حملته بين مـُقلتيها ، ولكم ارادت أن تحضن جميع من حولها وتبلغهم ما فهمته
ثم أصبحت تطوف وهى تحمل بين جوانبها قلبا أصبح ينبض لكل ما يدور حولها واستشعرت معية الله سبحانه وتعالى وذاب ما كان بها من ارتباك وصارت تردد
نهي : يا رحمن ، يا رحيم ، يا مالك الملك والملكوت ، الهنا ، نقف على بابك يا كريم
فلا تردنا ، اللهم انا مقصرون ومذنبون ولكن رجائنا فيك فان لم نكن أهلا لرحمتك فرحمتك اهلا لأن تشملنا ، اللهم اغفر لنا تقصيرنا ، واغفر لنا ذنوبنا ، واجمع لنا شملنا
اللهم من اعتز بك فلن يذل
ومن اهتدى بك فلن يضل
ومن استكثر بك فلن يقل
ومن استقوى بك فلن يضعف
ومن استغنى بك فلن يفتقر
ومن استنصر بك فلن يخذل
ومن استعان بك فلن يغلب
ومن توكل عليك فلن يخيب
ومن جعلك ملاذه فلن يضيع
ومن اعتصم بك فقد هدى إلى صراط مستقيم،
اللهم فكن لنا وليا ونصيرا ، اللهمَّ إليك نرفع ايادينا ، راجين عفوك وكرمك
من لنا ان لم ترحمنا وتعفو عنا
من لنا إن لم ترضي عنا
من لنا ينصرنا وانت غاضب علينا
من لنا سواااك يارب
اللهم أجعل لنا من كل خير نصيباً، وإلى كل خير سبيلاً برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهمَّ أنت الحليم فلا تعجل، وأنت الجواد فلا تبخل، وأنت العزيز فلا تذل، وأنت المنيع فلا تُرام، وأنت المجير فلا تُضام ، وأنت على كل شيء قدير.
اللهمَّ لا تحرمنا سعة رحمتك، وسبوغ نعمتك، وشمول عافيتك، وجزيل عطائك، ولا تمنع عنا مواهبك لسوء ما عندنا، ولا تُجازنا بقبيح عملنا، ولا تصرف وجهك الكريم عنا برحمتك يا أرحم الراحمين
واكملت السبع اشواط وهى ما بين دعائها الذى تنوعت فيه ما بين رغباتها ووصايا الاهل والاصدقاء وبين الدعاء لنهضة الامه ونصر الدين وترديد التلبيه
ثم توجهت لأداء ركعتين فى مقام إبراهيم عملا بالآيه " وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً "
ثم عادت فاستلمت الحجر الاسود مره أخرى لبدء السعي ، وقد أعددت فى نفسها أن تجعل لكل شوط نية كالدعاء تارة ، والاستغفار تاره ، والتفكر تاره
حتى أنهت أشواطها ما بين الصفا والمروه متذكره كم شَرّفَ الله سعى السيدة هاجر وكيف أنها لم تيأس فى أن تجد ماء لرضيعها وظلت تذهب وتجيء وليصبح ما قامت به شعيره مهمه لآداء الحج والعمره ويفعل فعلها اليوم جميع المسلمين .
وانهي الجميع سعيهم وقد تملك منهم التعب والارهاق وأصبحت الاجساد تشتاق الى قليل من الراحه ولكن الأرواح مازالت معلقه بمزيد من الشوق الي قرب الله
وعادت نهى مع والديها دون ان يحل أحدهم إحرامه بنية القيام بعمرة اخرى قبيل سفرهم الى المدينه المنورة
ومرت أربعة أيام منذ وصولهم أرض الحرم ، قضتها نهى وهى تعجز عن وصف ما بها من سعادة وشوق ورغبة فى عدم الرحيل
ولكن هكذا دوما ، تمر الايام السعيده مرور الكرام ، فتنقضي قبل أن نفيق أنها قد آتت ..
ورحل الجميع تاركين على ارض الحرم عبرات تطهير وشوق ، حاملين بجوانبهم أرواحا ًجديده تعملت معني قرب الله ، وقلوبا أصبحت فى شوق للسلام على الحبيب
***

هناك 4 تعليقات:

  1. اللهم ان هؤلاء عبيدك شدوا رحالهم اليك من شتى بقاع الارض توحدت ألسنتهم بذكرك وقلوبهم بحبك وأجسادهم بالطواف حول بيتك .. ولكنهم خارج حدود حرمك مشتتين ومتفرقين ومنقسمين ..اللهم أصلح حال امه محمد حبيبك ، اللهم أجمع شتات هذه الامه وأرزقهم القوة لنصر دينك ، اللهم أعز الاسلام بنا كما أعززتنا به ، اللهم اننا أصبحنا ضعفاء وتكالبت علينا الامم ، فارزقنا القوه لنصر دينك واجمع المسلمين حول كتابك وسنة حبيبك ، اللهم ان أمتنا اصبحت فى شتات وتفرق ، فاجمع شملنا ، اللهم أمين آمين آمين يا فتاتي الحلوة الروح

    ردحذف
  2. جميله يا دعاء واحلى ما فيها انها فكرتنى بأيام أجمل

    يا ترى فاكره؟

    ردحذف
  3. كلمات من نور
    اللهم استجب لنا ولها
    مرورك بجد بيعطي لي دفعه قويه للتكمله
    اشطر مرورك الطيب ده

    الله المستعان
    اشكر مرورك الطيب .. والاروع هو ان تجد ما تقابل به الله عز وجل .. فلنسأل الله جيميعا ان نجد ما نلقاه به

    مهاا البنا
    اكيد فاكره يا مها .. ياريت الواحد بيعرف ينسي عشان يعرف يعدى الايااام اللى بتبقي مليانه بشوق للايام اللى فاتت .. بس هنقول ايه .. دي سنة الحياااة .. الحمد لله
    طبعا هقولك .. التكرار بيعلم الشطار .. تابعينا للمره الثالثه تقريبا وكملى معانا الاحداث برده
    اهو نرجع شويه م اللى فات

    ردحذف